وقفة مع خطبة أمير المؤمنين علي ع من بنت أبي جهل...٢
كاتب الموضوع
رسالة
نهج الحق Admin
المساهمات : 28 تاريخ التسجيل : 08/12/2019
موضوع: وقفة مع خطبة أمير المؤمنين علي ع من بنت أبي جهل...٢ الأحد فبراير 16, 2020 9:00 pm
بسم الله الرحمن الرحيم
والحمد لله رب العالمين وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيد الأنبياء والمرسلين محمد وعلى اله الطيبين الطاهرين واللعن الدائم الأبدي على أعدائهم أجمعين الى قيام يوم الدين وبعد... مازال بحثنا حول موضوع خطبة الإمام علي ع من بنت أبي جهل , في الحلقة السابقة تكلمنا حول سند الرواية وبينا حال رواتها وأنهم مبغضون لعلي ع فلا يمكن والحال هذه أن يقبل نقلهم للروايات القادحة فيه.
وفي هذه الحلقة والحلقة المقبلة نقف مع متن هذه القصة ونسجل عليها الملاحظات التالية:
۱): إن الدواعي إلى إشاعة هذه الرواية واستخدامها للطعن في أمير المؤمنين ع كانت موجودة فلماذا لم يستخدم خصوم علي ع هذه الرواية للإنتقاص منه والطعن فيه فهم لم يتركوا سهما في كنانتهم إلا رموه به و كانوا بارعين في نسج التهم الباطلة وإلصاقها به فكيف فاتم تعييره بغضب النبي عليه من جراء إرادته خطبة بنت أبي جهل؟؟ ومع ذلك فإن معاوية وابن الزبير والخوارج وغيرهم من أعداء علي ع لم يستخدموا هذه الرواية للطعن في علي ع وهذا منبه على أن هذه الرواية وضعت مؤخرا بعد أن خلى الجو لبني أمية نتيجة موت أكثر الصحابة
إن قولنا أن هذه الرواية طعن في علي ع لم ننفرد به أو حملنا الكلام ما لا يحتمل بل هذا ما صرح به ابن حجر العسقلاني إذ يقول:[وَلَا أَزَالُ أَتَعَجَّبُ مِنَ الْمِسْوَرِ كَيْفَ بَالَغَ فِي تَعَصُّبِهِ لِعَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ حَتَّى قَالَ إِنَّهُ لَوْ أَوْدَعَ عِنْدَهُ السَّيْفَ لَا يُمَكِّنُ أَحَدًا مِنْهُ حَتَّى تزهق روحه رِعَايَة لكَونه بن بن فَاطِمَةَ مُحْتَجًّا بِحَدِيثِ الْبَابِ وَلَمْ يُرَاعِ خَاطِرَهُ فِي أَنَّ ظَاهِرَ سِيَاقِ الْحَدِيثِ الْمَذْكُورِ غَضَاضَةٌ عَلَى عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ لِمَا فِيهِ مِنْ إِيهَامِ غَضٍّ مِنْ جَدِّهِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ حَيْثُ أَقْدَمَ عَلَى خِطْبَةِ بِنْتِ أَبِي جَهْلٍ عَلَى فَاطِمَةَ حَتَّى اقْتَضَى أَنْ يَقَعُ مِنَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي ذَلِكَ](1)
٢):لماذا انفرد المسور بن مخرمة و أبن الزبير بنقل هذه القصة فلماذا لم تنقل عن غيرهم من الصحابة؟؟
إن أمرا بهذه الخطورة والشهرة بحيث إن النبي قد صعد المنبر وتكلم فيه من الغريب أن يتفرد بنقله شخصان فقط من الصحابة دون غيرهم! والغرابة أن من ينقل هذا الانتقاص هم أعداء علي ع
٣):من الإشكاليات التي تواجه الخطبة هو الإضطراب الواقع في متنها فإن بعض الروايات كرواية البخاري تبين أن عليا ع خطب إبنة أبي جهل:[إن عليا خطب بنت أبي جهل](2)
فيما تبين رواية صحيح مسلم أن بنو المغيرة إستأذنوا رسول الله(ص)أن ينكحوا عليا ع بنت أبي جهل:[إن بني هشام بن المغيرة إستأذنوني في أن ينكحوا إبنتهم علي بن أبي طالب](3) فإذا كان بنو المغيرة هم من خطبوا إبنتهم لعلي ع فلا حجة للخصوم في التشنيع على علي ع بهذه القصة لان أمير المؤمنين ع لم يفعل ما يوجب أذية الزهراء ع و إغضابها
بل تشير رواية الترمذي التي رواها عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ، أَنَّ عَلِيًّا، ذَكَرَ بِنْتَ أَبِي جَهْلٍ فَبَلَغَ ذَلِكَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: «إِنَّمَا فَاطِمَةُ بِضْعَةٌ مِنِّي يُؤْذِينِي مَا آذَاهَا وَيُنْصِبُنِي مَا أَنْصَبَهَا»(4) فإن هذه الرواية تشير إلى أن عليا ع ذكر بنت أبي جهل ولم يقم بخطبتها ولم يخطبها له بنو المغيرة ومن المحتمل أن يكون خصوم علي ع لما سمعوا بهذا الخبر نسجوا قصة الخطبة المزعومة.
٤):ماذنب بنت أبي جهل لكي يقف النبي من زواجها بعلي ع كل هذا الموقف ويصعد المنبر ليقول إن بنت ولي الله لا تجتمع مع بنت عدو الله؟
إن نكاح علي ع لبنت أبي جهل هو أمر جائز فإنه داخل في باب جواز تعدد الزوجات الذي أقره الشرع وابنة أبي جهل هذه إمرأة مسلمة فهي ممن أسلم بعد فتح مكة حينما أسلم أهلها طوعا وكرها فحينئذ يجوز الزواج بها فهل من الصحيح تحميلها وزر أبيها ؟ إن هذا بعيد عن روح الإسلام يقول تعالى:[وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَىٰ](5) وبعيد عن خلق الرسول الأكرم(ص)الذي وصف القرآن الكريم خلقه وخاطبه قائلا بقوله:[وَإِنَّكَ لَعَلَىٰ خُلُقٍ عَظِيمٍ](6)
ترى هل يغضب رسول الله(ص)من تطبيق أحكام الله أيغضب صاحب الخلق العظيم من تطبيق شرع الله الذي بعثه الله لأجل تبليغه و تطبيقه؟ ترى أيغضب على أمر جائز؟ ومن هنا حاول بعض من يقدس صحيحي البخاري ومسلم أن يتمحل أعذارا لغضب النبي وانفعاله هذا. قال إبن التين:[أَصَحُّ مَا تُحْمَلُ عَلَيْهِ هَذِهِ الْقِصَّةِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَرَّمَ عَلَى عَلِيٍّ أَنْ يَجْمَعَ بَيْنَ ابْنَتِهِ وَبَيْنَ ابْنَةِ أَبِي جَهْلٍ لِأَنَّهُ عَلَّلَ بِأَنَّ ذَلِكَ يُؤْذِيهِ وَأَذِيَّتُهُ حَرَامٌ بِالِاتِّفَاقِ وَمَعْنَى قَوْلِهِ لَا أُحَرِّمُ حَلَالًا أَيْ هِيَ لَهُ حَلَالٌ لَوْ لَمْ تَكُنْ عِنْدَهُ فَاطِمَةُ وَأَمَّا الْجَمْعُ بَيْنَهُمَا الَّذِي يَسْتَلْزِمُ تَأَذِّيَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِتَأَذِّي فَاطِمَةَ بِهِ](7)
ويقول ابن حجر العسقلاني:[وَزَعَمَ غَيْرُهُ أَنَّ السِّيَاقَ يُشْعِرُ بِأَنَّ ذَلِك مُبَاح لعَلي لكنه مَنعه النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رِعَايَةً لِخَاطِرِ فَاطِمَةَ وَقَبِلَ هُوَ ذَلِكَ امْتِثَالًا لِأَمْرِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َوَالَّذِي يَظْهَرُ لِي أَنَّهُ لَا يَبْعُدُ أَنْ يُعَدَّ فِي خَصَائِصِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ لَا يُتَزَوَّجَ عَلَى بَنَاتِهِ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ خَاصًّا بِفَاطِمَةَ عَلَيْهَا السَّلَامُ] ( وهكذا تتعدد الإحتمالات والتوجيهات من قبل الشراح لأجل الدفاع عن الرواية.
إلا أننا نقول إن هذه التوجيهات غير سديدة وذلك لأنه: أولا/ إن هذه الخطبة المزعومة لو كانت تؤذي فاطمة فعلا أو تأذيها لتجنبها علي ع قطعا فإن عليا ع كان يراعي خاطر فاطمة ع ويداريها ويتأذى لتأذيها فكيف لا يحس علي ع بحزنها من هذا الأمر ويتركه حالا حبا بزوجته وأم أولاده واذا كان علي ع ـ وحاشاه طبعاـ لايراعي مشاعر فاطمة ع فلا أقل من أن يراعي مشاعر النبي(ص)قبل أن تنطلق شاكية ذلك له
إن العلاقة الطيبة والمودة بين علي ع كانت موجودة في أبهى صورها وهاهو علي ع يقيم هذه العلاقة ويبينها:[والله ما أغضبتها ولا أكرهتها على أمرٍ حتى قبضها الله عزَّ وجلَّ . ولا أغضبتني ، ولا عصيت لي أمراً ، ولقد كنت أنظر إليها فتنكشف عنّي الهموم والأحزان](9)
ثانيا/ الا يؤذي جهر النبي(ص)وعتابه الشديد على علي ع عليا ؟؟ إن النبي(ص)أجل من أن يحيف على أحد بالحكم ورسول الله أجل من أن ينتقص من علي ع الذي طالما كان يؤذيه ما يسمعه من بعض الصحابة من طعنهم به
روى إبن عبد البر في الإستيعاب:[عَمْرِو بْنِ شَاسٍ. قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: قَدْ آذَيْتَنِي. فَقُلْتُ: مَا أُحِبُّ أَنْ أُوذِيكَ. فَقَالَ: مَنْ آذَى عَلِيًّا فَقَدْ آذَانِي.](10)
وقد روى عمران بن حصين إعراض النبي عن أربعة أشخاص من الصحابة كانوا قد أخبروه بما صنع الإمام علي ع في اليمن:[فَأَقْبَلَ إِلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالْغَضَبُ يُعْرَفُ فِي وَجْهِهِ، فقَالَ: «مَا تُرِيدُونَ مِنْ عَلِيٍّ - ثَلَاثًا - إِنَّ عَلِيًّا مِنِّي وَأَنَا مِنْهُ، وَهُوَ وَلِيُّ كُلِّ مُؤْمِنٍ بَعْدِي»](11)
وأما زعم ابن حجر العسقلاني أنه لا يجوز الزواج على بنات النبي(ص) وأن هذا من خصائصه أو من خصائص إبنته الصديقة الطاهرة(ع)فهو إدعاء يحتاج إلى دليل فإن الأصل في الأحكام الشرعية هو إشتراك النبي مع سائر المكلفين بالأحكام الشرعية ومن يزعم أن هذا الأمر من مختصات النبي(ص)أن يأت بدليل والدليل مفقود في المقام.
٥): إن التبرير بأن بنت عدو الله وبنت ولي الله لايجتمعان في بيت واحد غير صحيح وهاهو النبي نفسه قد خالفه فإنه تزوج بنات أعداء الله كما في زواجه من صفية بنت حيي بن أخطب كبير اليهود وكذلك زواجه من أم حبيبة بنت أبي سفيان فمن باب أولى أن لا يجتمع رسول الله(ص)مع بنات أعداء الله ترى هل ينهى رسول الله(ص)عن خلق ويأت بمثله:[أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنسَوْنَ أَنفُسَكُمْ وَأَنتُمْ تَتْلُونَ الْكِتَابَ ۚ أَفَلَا تَعْقِلُونَ](12) حاشا رسول الله(ص)من ذلك وهنا نقف لنسئل: لماذا لم يكلم النبي(ص)عليا بالأمر سرا ويطلب منه صرف النظر عن خطبة بنت أبي جهل؟اللهم الا أن يقال إن رسول الله(ص)فعل ذلك ورفض علي ع حتى اضطر رسول الله(ص)لفعل ذلك وتأنيب علي ع بهذه الصورة وكذلك الحال في بني المغيرة لماذا لم يكلمهم النبي بالأمر سرا ليرتدعوا أم أنه فعل ذلك ولم يرتدعوا الا بهذه الطريقة؟واذا كانوا لا يرتدعون عن ذلك فلماذا إستأذنوا رسول الله(ص)في أن ينكحوا إبنتهم عليا ع؟ وقد حاول إبن حجر العسقلاني تبرير ذلك :[وَإِنَّمَا خَطَبَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِيُشِيعَ الْحُكْمَ الْمَذْكُورَ بَيْنَ النَّاسِ وَيَأْخُذُوا بِهِ إِمَّا عَلَى سَبِيلِ الْإِيجَابِ وَإِمَّا عَلَى سَبِيلِ الْأَوْلَوِيَّةِ](13)
وأجابه المحقق السيد جعفر مرتضى العاملي(رحمه الله):[واعتذار العسقلاني عن ذلك بأنه «صلى اللّه عليه و آله» أراد من خطبته على رؤوس الأشهاد: أن يشيع ذلك الحكم، و يأخذوا به على سبيل الإيجاب، أو الأولوية لا يمكن قبوله، فقد كان يمكن أن يشيع هذا الحكم بالطرق الأخرى التي تشيع فيها سائر الأحكام، لا سيما و أنه ليس من الأحكام العامة التي يبتلي بها عامة المكلفين. و أيضا، فإن ذلك لا يتناسب مع كلمات النبي القاسية على المنبر، و لا مع تعريضاته القوية المشعرة بأن عليا قد ارتكب أمرا عظيما. . هذا مع العلم بأنه «صلى اللّه عليه و آله» لم يكن من عادته أن يواجه أحدا بما يعاب به؛ فكيف يعلن به على المنبر. حتى إنه «صلى اللّه عليه و آله» لم يكن يقدح بشهود المدّعي بصورة صريحة، بل هو يدعو المتحاكمين إلى الصلح بل إنه «صلى اللّه عليه و آله» كان إذا بلغه عن أحد شيء يكرهه](14) الى هنا ينتهي بحثنا و آخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين ولا تنسونا من صالح دعواتكم وصلى الله على محمد واله الطيبين الطاهرين.
وقفة مع خطبة أمير المؤمنين علي ع من بنت أبي جهل...٢
موضوع: وقفة مع خطبة أمير المؤمنين علي ع من بنت أبي جهل...٢ 
وهكذا تتعدد الإحتمالات والتوجيهات من قبل الشراح لأجل الدفاع عن الرواية.
