موضوع: عدالة الصحابة في الميزان....(2) الثلاثاء يناير 28, 2020 6:43 pm
بسم الله الرحمن الرحيم والحمد لله رب العالمين وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيد الأنبياء وخاتم المرسلين محمد وعلى آله الطيبين الطاهرين واللعن الدائم الأبدي على أعدائهم أجمعين وبعد....
مازال كلامنا حول مايسمى بعدالة الصحابة , في الحلقة السابقة تناولنا المبرر الذي يدعونا لخوض عباب هذا البحث وبينا أنه لا مانع من نقد الصحابة وأن ما قيل من موانع تحول دون النقد هي موانع واهية ولا تصمد أمام النقد العلمي فلا محذور في نقد الصحابة ونحن حينما ننقد الصحابة فليس الغرض من النقد هو النقد بل الغاية من نقد الصحابة هي نفس الغاية من نقد أي راو للحديث وقد تقدم الكلام حول ذلك في الحلقة السابقة فلا نعيد.
ولابد قبل الشروع في كل بحث من وقفة مع المصطلح وهذا الذي سيتم البحث حوله.
إن بحثنا هذا سيكون حول عدالة الصحابة وهاهنا توجد مفردتان: هما العدالة و الصحابة ولنبدأ أولا بحثنا حول مفردة الصحابة فماهو المراد من مصطلح الصحبة أو الصحابة الذين نبحث عن عدالتهم هاهنا؟؟
وقع بين أهل السنة خلاف شديد حول تحديد المراد من الصحابة فلم يتفقوا على تعريف محدد للصحابي , وهنا أمر مهم وهو أن الأصل في تعريف المصطلح هو أن يؤخذ تعريفه من اللغة والعدول عن التعريف اللغوي الى تعريف و أدعاء أن هذا التعريف مصطلح شرعي معناه أن الشرع هو من وضع هذا التعريف ومن هنا نحن نطالبهم بأن يأتونا بهذا التعريف من الكتاب العزيز والسنة المطهرة و الحال أننا لا نجد أي وجود لاي تعريف من التعاريف التي قدمها أهل السنة للصحابي في الشرع ومن هنا فإن هذا التعريف لا يصح وصفه بأنه تعريف شرعي , و دعونا نستبق نتيجة هذا البحث الذي نقدمه لكم فنقول: إن أهل السنة حاولوا بأهوائهم اصطلاح مصطلح ليدخلوا فيه من أرادوا ادخاله فهم نظروا الى الواقع الذي عاشته تلك الحقبة التي عاصرت النبي و استخلصوا من واقع تلك الشخصيات التي ترتضيها الحكومات الجائرة تعريفا اسموه الصحابة والخطورة التي تكمن في هذا التعريف أنهم حملوا آيات القرآن الكريم التي تمدح جماعة ممن عاصروا النبي مخرجات ونتائج هذا التعريف فادعوا أن الجميع مشمول بهذه الايات ولايجوز نقد هؤلاء وثلبهم لان الله عدلهم ومدحهم في كتابه الكريم ومن مدحه الله وعدله فلا يحتاج الى تعديل أحد ولا يجوز الطعن به.
و قد اختلفت هذه التعاريف التي قدمها أهل السنة للصحابة اختلافا كبيرا والملاحظ على أهل السنة أنه كلما تقدم الزمان أضافوا قيودا جديدة ليتخلصوا من الاشكاليات التي تواجه التعريفات السابقة واليك بعض هذه التعاريف:
الأول/ ما ذكره الآمدي وأحمد بن حنبل وغيرهم , ينقل الآمدي في الإحكام في أصول الأحكام ج2 ص 112:(اختلفوا في مسمى الصحابي فذهب أكثر أصحابنا وأحمد بن حنبل إلى أن الصحابي من رأى النبي صلى الله عليه وسلم وإن لم يختص به اختصاص المصحوب ولا روى عنه ولاطالت مدة صحبته. وذهب آخرون إلى أن الصحابي إنما يطلق على من رأى النبي صلى الله عليه وسلم واختص به اختصاص المصحوب وطالت مدة صحبته وإن لم يرو عنه. وذهب عمر بن يحيى إلى أن هذا الاسم إنما يسمى به من طالت صحبته للنبي صلى الله عليه وسلم وأخذ عنه العلم.)
ويرد على هذا التعريف أمور:
أولا: أن هذا التعريف يشمل مشركي قريش كأبي لهب وأبي جهل وغيرهم بل ويشمل من رأى النبي من اليهود والنصارى فيدخلون جميعا في مصطلح الصحبة ويكونون صحابة وهذا خلاف ما يتبناه القوم من اشتراط الإسلام والإيمان والعدالة في الصحابي , وقد تنبه ابن حزم الأندلسي لهذا الاشكال ورد هذا التعريف في الإحكام في أصول الأحكام ج2 ص 82-83:(قال علي: وليس كل من أدرك النبي صلى الله عليه[وآله]وسلم ورآه صحابيا، ولو كان كذلك لكان أبو جهل من الصحابة لانه قد رأى النبي صلى الله عليه[وآله]وسلم و حادثه و جالسه و سمع منه)
ثانيا: ويرد على هذا التعريف اخراج بعض الصحابة كالعميان مثلا من دائرة الصحبة فان التعريف يشترط الرؤية وهؤلاء لايستطيعون رؤية النبي كإبن أم مكتوم. ثالثا: لازمه ادخال حتى الحيوانات لان التعريف لم يخص الانسان بالذكر ولم يقل الانسان فقط فتكون الحيوانات التي رأت النبي من الصحابة أيضا. رابعا: لازمه ادخال من رآ النبي في المنام لان من رأى النبي في المنام يصدف عليه أنه رأى النبي أيضا للحديث الوارد عن النبي(ص): من رآني في المنام فقد رآني فان الشيطان لايتمثل بصورتي. فهذا التعريف اذا باطل ولا يستطيعون الالتزام به.
الثاني/ لما رأو اللوازم الباطلة التي تترتب على ذلك التعريف وانه يمكن أن يدخل من خلاله المشركون واهل الكتاب والحيوانات ومن يرى النبي في المنام جاءوا بتعريف آخر يخلصهم من كل اللوازم المتقدمة الواردة على التعريف آنف الذكر فقالوا: الصحابي هو من لقي النبي و آمن به أي أنه صار مسلما وهذا التعريف تبناه جملة من أعلام المخالفين البخاري في صحيحه اذ يقول في ص 1335 طبعة دار ابن كثير واليمامة تحقيق الدكتور مصطفى ديب البغا(كتاب فضائل الصحابة باب فضائل أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ومن صحب النبي صلى الله عليه وسلم أو رآه من المسلمين فهو من أصحابه)
وممن تبنى هذا التعريف إبن كثير في كتابه الباعث الحثيث شرح اختصار علوم الحديث ص174:( والصحابي: من رأى النبي صلى الله عليه[وآله]وسلم في حال إسلام الراوي ، وإن لم تطل صحبته له وإن لم يرو عنه شيئا.)
وهذا التعريف كسابقه ترد عليه مجموعة من الاشكاليات منها:
إدخال جملة من الكفار في مفهوم الصحبة فان التعريف إشترط الإسلام في حال اللقاء بالنبي ولم يشترط البقاء على الإسلام و من المعلوم أن كثيرا من الذين أسلموا في حياة النبي فيما بعد إرتدوا و هؤلاء هم الذين وقعت معهم حروب الردة كما يقول المخالفون فهؤلاء المرتدون بناءا على هذا التعريف أيضا من الصحابة وبعضهم إرتد في حياة النبي كعبد الله بن جحش زوج أم حبيبة الذي تنصر في الحبشة وبعضهم كان كاتبا للوحي ارتد في حياة النبي(ص).
٢- يلزم من هذا التعريف إدخال المنافقين في عداد الصحابة لان المنافق أيضا مسلم فإن الإسلام شيء والنفاق شيء آخر قال تعالىقَالَتِ الْأَعْرَابُ آمَنَّا ۖ قُل لَّمْ تُؤْمِنُوا وَلَٰكِن قُولُوا أَسْلَمْنَا وَلَمَّا يَدْخُلِ الْإِيمَانُ فِي قُلُوبِكُمْ ۖ وَإِن تُطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ لَا يَلِتْكُم مِّنْ أَعْمَالِكُمْ شَيْئًا ۚ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ) فالإسلام شيء والإيمان شيء آخر والمنافق مسلم يظهرالايمان ويبطن الكفر فهذا التعريف لازمه إدخال المنافقين في دائرة الصحابة كعبد الله بن سلول وهؤلاء المنافقون كانوا يصلون مع المسلمين ويغزون معهم بل يصعب تمييزهم أحيانا عن المسلمين وبعضهم كان يخفى حتى على النبي نفاقهم.
وهناك تعاريف اخر كثيرة جدا , في الحلقة القاطمة ان شاء الله تعالى سنقف عند التعريف الذي استقر عليه اهل السنة مؤخرا وهو تعريف ابن حجر العسقلاني , هذا وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين وأفضل الصلاة وأتم التسليم على محمد وعلى آله الطيبين الطاهرين..
موضوع: عدالة الصحابة في الميزان....(2) 
قَالَتِ الْأَعْرَابُ آمَنَّا ۖ قُل لَّمْ تُؤْمِنُوا وَلَٰكِن قُولُوا أَسْلَمْنَا وَلَمَّا يَدْخُلِ الْإِيمَانُ فِي قُلُوبِكُمْ ۖ وَإِن تُطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ لَا يَلِتْكُم مِّنْ أَعْمَالِكُمْ شَيْئًا ۚ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ)